كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


تنبيه‏:‏ قال الغزالي‏:‏ المنعم هو اللّه والوسائط مسخرون من جهته فهو المشكور وتمام هذه المعرفة في الشك في الأفعال فمن أنعم عليه ملك بشيء فرأى لوزيره أو وكيله دخلاً في إيصاله إليه فهو إشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فلا يكون موحداً في حق الملك وكمال شكره أن لا يرى الواسطة مسخرة تحت قدرة الملك ويعلم أن الوكيل والخازن مضطران من جهته في الإيصال فيكون نظره إلى الموصل كنظره إلى قلم الموقع وكاغده فلا يؤثره ذلك شركاً في توحيده من إضافته النعمة للملك فكذلك من عرف اللّه وعرف أفعاله على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره كالقلم في يد الكاتب واللّه هو المسلط على الفعل شاءت أم أبت‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏هب‏)‏ وكذا الحاكم ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ لكن الحكيم لم يذكر له سنداً فكان اللائق عدم عزوه إليه ثم إن فيه عند مخرجه البيهقي كالحاكم مهنى بن يحيى مجهول وبقية بن الوليد أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ يروي عن الكذابين ويدلسهم وشريح بن عبيد ثقة لكنه مرسل‏.‏

6009 - ‏(‏قال اللّه تعالى من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليلتمس رباً سواي‏)‏ قال الغزالي‏:‏ كأنه يقول هذا لا يرضانا رباً حتى سخط فليتخذ رباً آخر يرضاه وهذا غاية الوعيد والتهديد لمن عقل ولمن صدق ولقد صدق من قال إذ سئل‏:‏ ما العبودية والربوبية فقال‏:‏ الرب يقضي والعبد يصبر وليس في السخط إلا الهم والضجر في الحال والوزر والعقوبة في المآل بلا فائدة إذ القضاء نافذ فلا ينصرف بالهلع والجزع كما قيل‏:‏

ما قد قضى يا نفس فاصطبري له * ولك الأمان من الذي لم يقدر ‏[‏ص 470‏]‏

وتيقني أن المقدر كائن * حتم عليك صبرت أو لم تصبري

فمن ترك التسليم للقضاء فقد جمع على نفسه ذهاب ما أصيب به وذهاب ثواب الصابرين فهو خسران مبين ومن رضي بمكروه القضاء تلذذ بالبلاء ونال ثواب الصابرين ومن علم من نفسه العجز فليستعذ باللّه من حمله ما لا يطيق وليقل كما علمه ‏{‏ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به‏}‏ ويسأل المعافاة ويستعين باللّه على قضائه ‏{‏فنعم المولى ونعم النصير‏}‏ فإن قيل الشر والمعصية بقضاء اللّه فكيف يرضى به العبد قلنا الرضى إنما يلزم بالقضاء وقضاء الشر ليس بشر بل الشر المقضي قالوا والمقضيات أربعة نعمة وشدة وخير وشر فالنعمة يجب الرضى فيها بالقاضي والقضاء والمقضي ويجب الشكر عليها والشدة يجب الصبر عليها والخير يجب الرضى فيه بالقاضي والمقضي ويجب عليه ذكر المنة من حيث أنه وفقه له والشر يجب فيه الرضا بالقاضي والقضاء والمقضي من حيث إنه مقضي لا من حيث إنه شر‏.‏

تنبيه‏:‏ قال في شرح العوارف‏:‏ أول ما كتب اللّه في اللوح المحفوظ إلى أنا اللّه لا إله إلا أنا من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليطلب رباً سواي‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏عن أبي هند الداري‏)‏ نسبة إلى الدار بن هانئ واسمه يزيد بن عبد اللّه بن رزين صحابي سكن فلسطين ومات ببيت جبرين وهو أخو تميم الداري لأمه قال الحافظ العراقي‏:‏ إسناده ضعيف جداً وبينه تلميذه الهيثمي فقال‏:‏ فيه سعيد بن زياد قال الذهبي‏:‏ متروك وأورده في اللسان في ترجمة سعيد من حديثه عن هند وقال الأزدي‏:‏ متروك وساق ابن حبان له هذا وقال‏:‏ لا أدري البينة منه أو من أبيه أو من جده‏.‏

6010 - ‏(‏قال اللّه تعالى من لم يرض بقضائي وقدري فليلتمس رباً غيري‏)‏ أي ولا ربّ إلا اللّه فعلى العبد الرضى بقضائه وإحسان الظن به وشكره عليه فإن حكمته واسعة وهو بمصالح العباد أعلم وغداً يشكره العباد على البلايا إذا رأوا ثواب البلاء كما يشكر الصبي بعد البلوغ مؤدبه على ضربه وتأديبه والبلاء تأديب من اللّه وعنايته لعباده أتم وأوفر من عناية الآباء بأبنائهم روي أن بعض الأنبياء شكى إلى ربه الجوع والقمل عشر سنين فأوحى إليه كم تشكو‏؟‏ هكذا كان بدؤك عندي قبل أن أخلق السماوات والأرض هكذا قضيت عليك قبل أن أخلق الدنيا أفتريد أن أغير خلق الدنيا لأجلك أم أبدل ما قدرت عليك فيكون ما تحب فوق ما أحب‏؟‏ وعزتي وجلالي لئن تلجلج في صدرك هذا مرة أخرى لأمحونك من ديوان الأنبياء‏.‏

- ‏(‏هب عن أنس‏)‏‏.‏

6011 - ‏(‏قال اللّه تعالى الصيام جنة يستجن بها العبد من النار وهولي وأنا أجزي به‏)‏ صاحبه بأن أضاعف له الجزاء بلا حساب لأن فيه الإعراض عن لذات الدنيا والنفس وحظوظها ومن أعرض عنها ابتغاء وجه اللّه لم يجعل بينه وبينه حجاب واعلم أن الصوم من أخص أوصاف الربوبية إذ لا يتصف به على الكمال إلا اللّه فإنه يطعم ولا يطعم فإضافته إلى نفسه بقوله وأنا أجزي به لكونه لا يتصف به أحد على الحقيقة إلا هو لأنه الغني عن الأكل أبد الآبدين ومن سواه لا بد له منه حتى الملائكة فإن طعامهم التسبيح والأذكار وشرابهم المحبة الخالصة والمعارف والعلوم الصافية من الأكدار ومن عداهم طعامهم وشرابهم ما يليق بهم في دار الدنيا وكل دار وقد دعا الباري إلى الاتصاف بأوصافه وتعبدهم بها بعد الطاقة والصوم من أخصها وأصعب الأشياء على النفوس لكونه خلاف ما جبلوا عليه لما أن وجودهم لا يقوم إلا بمادّة بخلاف الغنى عن كل شيء‏.‏

- ‏(‏حم هب عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه قال الهيثمي‏:‏ إسناد أحمد حسن‏.‏

‏[‏ص 471‏]‏ 6012 - ‏(‏قال اللّه تعالى كل عمل ابن آدم له‏)‏ أي كل عمل له فإن له فيه حظاً ودخلاً لإطلاع الناس عليه فهو يتعجل به ثواباً منهم ‏(‏إلا الصيام فإنه‏)‏ خالص ‏(‏لي‏)‏ لا يطلع عليه غيري أو لا يعلم ثوابه المترتب عليه أو وصف من أوصافي لأنه يرجع إلى صفته الصمدية لأن الصائم لا يأكل ولا يشرب فتخلق باسمه الصمد أو معناه أن الأعمال يقتص منها يوم القيامة في المظالم إلا الصوم فإنه للّه ليس لأحد من أصحاب الحقوق أن يأخذ منه شيئاً واختاره ابن العربي وقيل لم يعبد به غير اللّه فلم تعظم الكفار في عصر قط آلهتهم بالصوم وإن عظموها بالسجود وغيره واستحسنه ابن الأثير وللطالقاني في ذلك جزء مفرد جمع فيه نحو خمسين قولاً ‏(‏وأنا أجزي به‏)‏ صاحبه جزاءاً كثيراً وأتولى الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى ملك مقرب ولا غيره لأنه سر بيني وبين عبدي لا يطلع عليه غيري كصلاة بغير طهر أو ثوب نجس أو نحو ذلك مما لا يعلمه إلا اللّه ‏(‏والصيام جنة‏)‏ أي ترس يدفع المعاصي أو النار عن الصائم كما يدفع الترس السهم ‏(‏وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث‏)‏ بضم الفاء وكسرها لا يتكلم بقبيح ‏(‏ولا يصخب‏)‏ بسين أو بصاد مهملة لا يصيح وفي رواية لمسلم بدل يصخب يجهل وصحف من رواه ولا يسخر بالراء من السخرية ‏(‏وإن سابه أحد‏)‏ أي شاتمه يعني تعرّض لشتمه ‏(‏أو قاتله‏)‏ أي أراد مقاتلته أو نازعه ودافعه ‏(‏فليقل‏)‏ بقلبه أو لسانه أو بهما وهو أولى ‏(‏إني امرؤ صائم‏)‏ ليكف نفسه عن مقاتلة خصمه ‏(‏والذي نفس محمد بيده‏)‏ أي بتقديره وتصريفه ‏(‏لخلوف‏)‏ بضم الخاء وخطأوا من فتحها تغير رائحة ‏(‏فم الصائم‏)‏ فيه رد على من قال لا تثبت الميم عند الإضافة إلا في الضرورة ‏(‏أطيب عند اللّه من ريح المسك‏)‏ أي عندكم فضل ما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ولا يتوهم أن اللّه يستطيب الروائح ويستلذ ما فإنه محال عليه تعالى وإنما معنى هذه الأطيبية راجع إلى أنه تعالى يثيب على خلوف فمه ثواباً أكثر مما يثيب على استعمال المسك حيث ندب الشرع إلى استعماله في الجمع والأعياد وغيرها ويحتمل أن يكون في حق الملائكة فيستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وقيل يجازيه اللّه في الآخرة بأن يجعل نكهته أطيب من المسك كما في دم الشهيد أو هو مجاز واستعارة لتقريبه من اللّه ‏(‏وللصائم فرحتان يفرحهما‏)‏ أي يفرح بهما ‏(‏إذا أفطر فرح بفطره‏)‏ أي بإتمام صومه وسلامته من المفسدات لخروجه عن عهدة المأمور أو بالأكل والشرب بعد الجوع أو بما يعتقده من وجود الثواب أو بما ورد في خبر إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد ‏(‏وإذا لقي ربه فرح بصومه‏)‏ أي بنيل الثواب وإعظام المنزلة أو بالنظر إلى وجه ربه والأخير فرح الخواص‏.‏

- ‏(‏ق ن‏)‏ في الصوم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ بألفاظ متقاربة‏.‏

6013 - ‏(‏قال اللّه تعالى ثلاثة أنا خصمهم‏)‏ زاد ابن خزيمة ومن كنت خصمه خصمته ‏(‏يوم القيامة‏)‏ والخصم مصدر خصمته أخصمه نعت به للمبالغة كعدل وصوم ‏(‏رجل أعطى بي ثم غدر‏)‏ بحذف المفعول أي أعطى يمينه بي أي عاهد عهداً وحلف عليه ثم نقضه ‏(‏ورجل باع حراً فأكل ثمنه‏)‏ خص الأكل لأنه أعظم مقصود ‏(‏ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه‏)‏ ما استأجر لأجله من العمل ‏(‏ولم يعطه أجره‏)‏ لأنه استوفى منفعته بغير عوض واستخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده‏.‏ ‏[‏ص 472‏]‏

- ‏(‏حم خ عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أبو يعلى وغيره‏.‏

6014 - ‏(‏قال اللّه تعالى شتمني‏)‏ بلفظ الماضي وروي بلفظ المضارع المفتوح الأول وكسر التاء، والشتم الوصف بما يقتضي النقص ‏(‏ابن آدم‏)‏ أي بعض بني آدم وهم من أنكر البعث ومن ادعى أن له نداً ‏(‏وما ينبغي له أن يشتمني‏)‏ أي لا يجوز له أن يصفني بما يقتضي النقص ‏(‏وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني‏)‏ أي ليس له ذلك من حق مقام العبودية مع الربوبية ‏(‏أما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً‏)‏ لاستلزامه الإمكان المتداعي للحدوث وذلك غاية النقص في حق البارئ لأن الشتم توصيف الشيء بما هو نقص وإزراء وإثبات الولد له كذلك لأنه قول بمماثلة الولد له في تمام حقيقته وهي مستلزمة للإمكان المتداعي للحدوث ولأن الحكمة في التوالد استبقاء النوع فلو كان متخذاً ولداً كان مستخلفاً خلفاً يقوم بأمره بعد عصره ‏{‏تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً‏}‏ ‏(‏وأنا اللّه الأحد‏)‏ حال من ضمير فقوله أو من محذوف أي فقوله لي ‏(‏الصمد‏)‏ أي الذي يصمد إليه في الحوائج ‏(‏لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد‏)‏ ومن هو كذلك فكيف ينسب إليه وهو واجب الوجود لذاته قديماً وكل مولود محدثاً انتفت عنه الوالدية ‏(‏وأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني‏)‏ وهذا قول منكري البعث من عبدة الأوثان ‏(‏وليس أول الخلق‏)‏ أي أول المخلوق أو أول خلق الشيء ‏(‏بأهون عليَّ من إعادته‏)‏ الضمير للمخلوق أو للشيء قال القاضي‏:‏ إشارة إلى برهان تحقق المعاد وإمكان الإعادة وهو أن ما يتوقف عليه تحقق البدن من مواده وأجزائه وصورته لو لم يكن وجوده ممكناً لما وجد أولاً وقد وجد وإذا أمكن لم تمتنع لذاته وجوده ثانياً وإلا لزم انقلاب الممكن لذاته ممتنعاً لذاته وهو محال وتنبيه على تمثيل يرشد العامي وهو ما يرى في الشاهد أن من عمد إلى اختراع صنعة لم يرى مثلها صعب عليه ذلك وتعب وافتقر إلى مكابدة أفعال ومعاونة أعوان ومرور أزمان ومع ذلك كثيراً لا يتم له الأمر ومن أراد إصلاح منكسر وإعادة منهدم هان عليه، فيا معشر الغواة أتحيلون إعادة أبدانكم وإنكم معترفون بجواز ما هو أصعب منها بالنسبة لقدركم وأما بالنسبة للّه فيستوي عنده نكوس بعوض طيار وتحليق فلك دوار ‏{‏وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر‏}‏ قال‏:‏ والشتم توصيف الشيء بما هو إزراء ونقص فإثبات الولد المماثل له في تمام حقيقته وهي مستلزمة للإمكان المتداعي إلى الحدوث لأن الخدمة في التوالد استحفاظ النوع إذ لو كانت العناية الأزلية مقتضية لبقاء أشخاص الحيوان استغنى عن التناسل استغناء الأفلاك والكواكب عنه فلو كان البارئ متخذاً ولداً لكان مستخلفاً خلفاً يقوم بأمره بعد عصره تعالى عن ذلك علواً كبيراً اهـ‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ هذه أوصاف مشعرة بغلبة الحكم أما قوله الأحد فإنه بني لنفي ما يذكر معه من العدد فلو فرض له ولد يكون مثله فلا يكون أحداً ولذلك قال في حق المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏ما كان محمد أبا أحد من رجالكم‏}‏ لأنه لو كان له ولد كان مثله نبياً لم يكن خاتم النبيين وهذا معنى الاستدراك في قوله ‏{‏ولكن رسول اللّه‏}‏ إلخ والصمد هو الذي يصمد إليه في الحوائج فلو كان له ولد لشركه فيه فيلزم فساد السماوات والأرض وقوله كفواً أي صاحبة ولا ينبغي له إذ لو فرض له ذلك لزم منه الاحتياج إلى قضاء الشهوة وكل ذلك وصف له بما فيه نقص وإزراء وهذا معنى الشتم فالأحد ذاتي والصمد إضافي والثالث سلبي فإن قيل أي الأمرين أعظم قلنا كلاهما عظيم لكن التكذيب أعظم لأن المكنونات لم تكون إلا للجزاء فمن أنكر الجزاء لزمه العبث في التكوين وإعدام السماوات والأرض فتنتفي جميع ‏[‏ص 473‏]‏ الصفات الكمالية التي أثبتها الشرع فيلزم منه التعطيل على أن الصفات الثبوتية إذا انتفت يلزم منه انتفاء الذات وكذا السلبية وذكر اللّه تكذيب ابن آدم وشتمه وعظمهما ولعمري أن أقل الخلق وأدناه إذا نسب ذلك إليه استنكف وامتلأ غضباً وكاد يستأصل قائله فسبحانه ما أحلمه وما أرحمه ‏{‏وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم خ ك عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

6015 - ‏(‏قال اللّه تعالى كذبني ابن آدم‏)‏ عموم يراد به الخصوص والإشارة إلى الكفار الذين يقولون هذه المقالات ‏(‏ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك‏)‏ هذا من قبيل ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية لأن قوله لم يكن له ذلك نفي للكينونة التي هي بمعنى الانتفاء فيجب حمل لفظ ابن آدم على الوصف الذي علل الحكم به بحسب التلميح وإلا لم يكن لتخصيص ابن آدم دون البشر والناس فائدة ذكره الطيبي قال‏:‏ والتكذيب أعظم الأمرين ‏(‏فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً‏)‏ إنما سماه شتماً لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والناكح يستدعي باعثاً له على ذلك واللّه منزه عن كل ذلك قال الطيبي‏:‏ ومما في التكذيب والشتم من الفظاعة والهول أن المكذب منكر للحشر يجعل اللّه كاذباً والقرآن المجيد الذي هو مشحون بإثباته مفترى ويجعل حكمة اللّه في خلقه السماء والأرض عبثاً والشاتم يحاول إزالة المخلوقات بأسرها ويزاول تخريب السماوات من أصلها ‏{‏تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً‏}‏ ثم تأمل في مفردات التركيب لفظة لفظة فإن قوله لم يكن له ذلك من باب تركيب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية لأن قوله لم يكن له ذلك نفي للكينونة التي هي بمعنى الانتفاء كقوله تعالى ‏{‏ما كان لكم أن تنبتوا شجرها‏}‏ أراد أن تأتي ذلك محال من غيره ومنه ‏{‏وما كان لنبي أن يغلّ‏}‏ معناه ما صح له ذلك يعني أن النبوة تنافي الغلول فيجب أن يحمل لفظ ابن آدم على الوصف الذي يعلل الحكم به وإلا لما كان لتخصيص ابن آدم دون الناس والبشر فائدة وذلك لوجوه الأول له تلميح إلى قوله ‏{‏ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم‏}‏ من منَّ اللّه عليهم بها المعنى أنا أنعمنا عليكم يإيجادكم من العدم وصورناكم في أحسن تقويم ثم أكرمناكم بأن أمرنا الملائكة المقربين بالسجود لأبيكم لتعرفوا قدر الإنعام فتشكروا فقلبتم الأمر فكفرتم ونسبتم المنعم إلى الكذب وإليه الإشارة بقوله تعالى ‏{‏وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏}‏ أي شكر رزقكم‏.‏ الثاني تلميح إلى قوله ‏{‏أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين‏}‏ المعنى ألم تر أيها المكذب إلى أنا خلقناك من ماء مهين خرج من ذكر أبيك واستقر في رحم أمك فصرت تخاصمني بترهاتك فيما أخبرت به من الحشر والنشر بالبرهان فأنت خصيم لي بين الخصومة‏.‏ الثالث أنه تلميح إلى قوله ‏{‏أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم‏}‏ المعنى أوليس الذي خلق هذه الأجرام العظام بقادر على أن يخلق مثل هذا الجرم الصغير الذي خلق من تراب ومن نطفة‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في تفسير سورة البقرة ‏(‏عن ابن عباس‏)‏‏.‏

6016 - ‏(‏قال اللّه تعالى أعددت لعبادي الصالحين‏)‏ أي القائمين بما وجب عليهم من حق الحق والخلق ‏(‏ما لا عين رأت‏)‏ ‏[‏ص 474‏]‏ أي ما لا رأت العيون كلها لا عين واحدة فإن العين في سياق النفي تفيد الاستغراق ومثله قوله ‏(‏ولا أذن سمعت‏)‏ بتنوين عين وأذن وروي بفتحها ‏(‏ولا خطر على قلب بشر‏)‏ معناه أنه تعالى ادّخر في الجنة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق بطريق من الطرق فذكر الرؤية والسمع لأن أكثر المحسوسات تدرك بهما والإدراك ببقية الحواس أقل ولا يكون غالباً إلا بعد تقدم رؤية أو سماع ثم زاد أنه لم يجعل لأحد طريقاً إلى توهمها بذكر وخطور على قلب فقد جلت عن أن يدركها فكر وخاطر واستشكاله بأن جبريل رآها في عدة أخبار وأجيب بأنه تعالى خلق ذلك فيها بعد رؤيتها وبأن المراد عين البشر وآذانهم وبأن ذلك يتجدد لهم في الجنة كل وقت وبأن جبريل إنما ينظر ما أعد لعامتهم ولهذا قال بعض العارفين‏:‏ المراد هنا التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحق في الآخرة على خواصه لأنها نعم خالقيات وأما النعم الخلقيات التي أخبر بها النبي صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم في جنة النعيم فقد رأتها الأعين وسمعتها الآذان وخطرت على قلوب البشر وإلا لما أخبرها أحد وأما التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحق في الآخرة على خواصه فما رأتها عين ولا سمعت حقيقتها أذن ولا خطرت على قلب بشر إذ كل ما يخطر بالبال أو يمر بالخيال فاللّه بخلافه بكل حال وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح مسلم ثم قرأ ‏{‏فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين‏}‏ لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادخر لأولئك وأخفي عن الخلق وفي رواية لمسلم عقيب قوله ولا خطر على قلب بشر ما نصه ذخر آبله ما أطلعكم اللّه عليه ثم قرأ ‏{‏فلا تعلم نفس‏}‏ الآية اهـ وزعم بعضهم أن قراءة الآية من قول أبي هريرة لا المرفوع وسياق مسلم يرده‏.‏